25
ابريل
2021
|
الضّحيّةُ والشّهيدِ .. و تُوصِيفَهم في بَلدِ المَوْتِ الأحْمرْ ., أَزْهَرُ الزُهَيْري
نشر منذ Apr 25 21 am30 06:01 AM - عدد المشاهدات : 697
|
الضّحيّةُ والشّهيدِ .. و تُوصِيفَهم في بَلدِ المَوْتِ الأحْمرْ
أَزْهَرُ الزُهَيْري
في زمننا هذا ، وفي ظلّ ما نَشهده من حوادث واقتتال وحروب ، تسقط المئات بل الآلاف من الأرواح ، ولم نعد نميّز بين من يواجه الموت في سبيل الدّفاع عن الوطن أو عن قضيّة يؤمن بها ، وبين من يفاجئهُ الموت لسببٍ أو لآخر .
وأصبحت النّاس مجرّد أعداد ، تُنقل لنا خبر وفاتهم الوسائل الإعلاميّة بشكل بَسيطٍ و عابر ٍ ، ولَقَد أعْتدنا على ذلك ولم نَعد نَندهش متى سَمِعنا عَن هذه الأعداد المُخيفة الّتي تَسقط كلّ يَومٍ ، لا بل كلّ ساعةٍ .
نجد عند النّاس نوعاً من الألتباس حَول تَسمية هَؤلاءِ الأشخاص ولعلّنا نخلط بين مفهوم " الشّهيد " ومفهوم " الضّحيّة " ، فقد يكون هناك شروط معيّنة لكي نطلق على مَن يمُوتون فداءًا عن بِلادهم أو عَن قَضيةٍ معيّنة لقب
" شهداء " .
و " الشّهيد " هو من اختار أن يَحْيا مَسيرة حياةٍ تُوصلهُ إلى الشّهادة ، لذلك لا نستطيع أن نطلق على كلّ الّذين يموتون في أوطاننا لقب " شهداء " ، وبعد اختيارهم لطريق مصيرهم ، يأتي القرار الّذي يجعل من مسيرة حياتهم ، مسيرة خاصّة جدّاً تتأقلم مع الواقع الّذي آمنوا به ، والّذي اعتبروه حقيقة مطلقة ، وبالتّالي يتناسب القرار مع الخيار الّذي عاشوه و المصير المُتوقع لهُ .
ومن هذا المنطلق ، تبدأ مسيرتهم متوقعين أن يصبحوا شهداء بأي لحظة في خضم ما يُواجهونه من أحداث في حياتهم اليومية ، وتطال حياتهم وهم أحياء ، هي مسيرة نضال ، وسلوك طريق واضح وأنطباع خاص لما آمنوا به ، إلى أن يصلوا لعيش شهادة الدّمّ ، فالشّهيد هدفه واضح ، وهو يَعِي أنّ الخطّ الّذي اتّبعه يؤدّي به إلى شهادة الدّمّ ، وهو مستعدّ دائماً أن يضحّي حتّى النّهاية ، ولو بسفك الدّماء .
ونطلق لقب " شهيد " على من اختار طوعاً وبدون أيّ ضغط اجتماعيّ أودينيّ أو عائليّ ، بل بملء إرادته الحرّة ، أسلوب حياته ، كما يدفع الشّهيد ثمناً باهظاً للوصول إلى هدفه ، والثّمن يخصّه بذاته ، ولا يمكن أن يحمّله لشخص آخر ، ممّن يعرفونه أو حتّى مُحبيه من أهله أو أصدقائه أو معارفه .
إذاً فالشّهيد ، يختار مسيرة حياة ، ويناضل في سبيل هدف ، ويدفع ثَمنه بإرادته الحرّة والطّوعيّة ، وهذا الثمن بالنّسبة لمن اختار أن يكون في مصافِ الشّهداء، وأقصاها شهادة الدّمّ .
أمّا الأشخاص الذين يدفعون ثمن أهداف غيرهم ، ويموتون دون أن يختاروا ذلك ، فهم " ضحايا " ، والفرق شاسع بين " الشّهيد " و بين " الضّحيّة " .
فالضّحيّة شخص يدفع ثمن أهداف غيره ، وبالتّالي يعيش أبعد ما يكون عن خيار هذه الأهداف ، لا بل و يريد بِبالهِ أن يعيش حياته الخاصة مع عائلتهِ و اصحابهِ و أبنائه ِ ، و ان يُكوّن مستقبلاً هو يختاره ، فهؤلاء الّذين يلقون مصرعهم في إنفجارٍ أو في حادثٍ إرهابيّ ، هُم ضَحايا ، لأنّهم لم يختاروا طوعاً أن يموتوا ، لذا فالإنسان الضّحيّة يعيش الظّلم والقهر ، وبالتّالي يدفع ثمن ما لم يختره وما لم يقرّره ، وذنبه الوحيد أنّه أُقْحِمً في لُعبة المَوْت ، من قبل أشخاص لهم ربحٌ و فائدة من هذه اللعبة ، اي انه هناك آخرون قاموا عنه بخيارٍ معيّن وقرّروا ، وبالتّالي يُسفك دمه بدون هدف .
إذن الضّحيّة شخص مجرّد من كلّ قرارٍ ، ويوظّف طاقته وقوّته كي يستمرّ بالرّغم من كلّ القرارات الّتي أُتُخذت بدلاً عنهُ ، في سبيل أن تجعل منه ضحيّة . كما أنّه مجرّد من كلّ هدف إلّا هدف البقاء و الاستمرار بنبض الحياة التي قدّرها الله له .
و لكن في خضمّ ذلك ، يبقى الإنسان كائن مقدّس و مائزٍ ، خلقهُ الله و أكرمهُ و جعلهُ مُميز بالعقل المائز الذي ميّزهُ به عن سائر المخلوقات و على مدى العصور . فإن اختار " الشهادة " بشرطها و شروطها فهو شأنه ُ الخاص به ، و ان لم يخترها و أُقحِمُ بحدثٍ معين مميت فهو " ضحية " .
رحم الله الشهداء و الضحايا و جعلهم في عِليينْ .
صور مرفقة