15
يناير
2021
ـ النافورة سحر الطفولة البعيدة * فصل من كتابي "الطريق إلى الناصرية" طارق حربي ..
نشر منذ Jan 15 21 pm31 06:01 PM - عدد المشاهدات : 872

ـ النافورة سحر الطفولة البعيدة
* فصل من كتابي "الطريق إلى الناصرية"
شُيّدتْ النافورة عام 1961 قرب جسر النصر. وإرتبطتْ ذكرياتها بمرحلة الطفولة. ولطالما شَكَتْ من الفقر والعوز وقلة وسائل الترفيه. تفترش مقدمة الجسر الواقعة في (صوب) الجزيرة، مع إشراقة شمس الصباح، ظلال خزان المياه العالي (الإسالة) المجاور له، الذي أتخيله دائماً حارساً للجسر والنافورة ومبنى المحكمة الواقع تحته مباشرة. ولأرواح طلاب المدارس، ممن بدأوا في تعلم السباحة في نهر الفرات، في العطلة المدرسية الصيفية، وتستمر ثلاثة أشهر وعشرة أيام.
شَكَّلَ شريان المدينة وساقي العطاشى ونسغُها الصاعد، النهر والإسالة والنافورة في الفضاء المفتوح، ثلاثيّ الرُّواء في مدينة الغبار. فالنهر تعلو مناسيبه في فصل الصيف، أو يفيض في مواسمه. والإسالة تُرَوّي عطش الناس والطبيعة، دافعة بالماء الصالح للشرب والسقي طوال اليوم، إلى أبعد منزل ومدرسة ودائرة حكومية وحديقة وبستان! وكذلك النافورة القريبة التي لا يكاد يتوقف تدفق المياه فيها ليلاً ونهاراً! وهي تتألف من ثلاث مواعين، صغير وأكبر فأكبر مرتبة فوق بعضها البعض. تتدفق المياه من أصغرها وهو الأعلى حتى يمتلىء ويفيض على الماعونين ويمتلئان. وفي مشهد رائع تفيض المواعين الثلاثة معاً على القاعدة المحاطة بسياج بعلو ركبة رجل، مُشيَّد من قطع الموزائيك الشذرية مربعة الشكل بحجم طابع تذكاري، طُعّمتْ بقطع قليلة حمراء وزرقاء وصفراء وبُنّية. وكنتُ أفَضّلُ زيارة الينبوع الملون النافورة في المساء أكثر من النهار، ولطالما بدتْ لي في مساءات الطفولة البعيدة، مثل أم رؤوم تُلَوِّحُ لي ببريق أضوائها الملونة! فأهرعُ إليها لأطوف سعيداً حول سياجها، ما تناثر من رذاذها يغمر وجهي، وتتملكني الدهشة من انعكاس أضوائها المتراقصة على صفحة المياه، بعد امتلاء حوضها، مثلما ملأ أنكي بِمَنيّهِ حوضَ الفرات!
طرتُ من باب المحكمة، محلقاً في فضاء الطفولة التي ناء بها الزمن بعيداً! ولم يكن صعباً في ذلك الصباح الكُركُميّ، بما ملأ الفضاء من أمواج الغبار، إحصاء عدد السنين التي قضيتها منفياً، بما تلاشى من أمواج النافورة المندفعة إلى محيطها الدائري، فوجدتُ أنها دورات زمان فالتة من كل التقاويم! 
لم يَرُقْ لي مثل الكثيرين من أبناء مدينتي ما آلت إليه أحوال النافورة، بعدما كانتْ دافقة بمياه بهجتها وتجددها وحيويتها، من جفاف وإهمال وانثلام حوافِّ محيطها الخزفيّ الملون وتكسر مواعينها، إلى درجة بروز أحشائها (حدائد التسليح) ونتوء حصاها! أحزنني ذلك كثيراً وسارعتُ في اليوم التالي إلى نشر دعوة عامة في التواصل الاجتماعي لتنظيفها. وإلفات نظر الحكومة المحلية إلى ضرورة الاعتناء بها وإدامتها. 
وفي تاريخ 31/5/2013 حضر جمعٌ من أبناء الناصرية، وكذلك من أبناء الأقضية والنواحي البعيدة، وقمنا جميعاً بتنظيفها. وأجرى تلفزيون الأهوار المحلي لقاءاتٍ مع المتطوعين، طالبوا فيها الحكومة المحلية بتنظيف النافورة، وإعادة الحياة إليها بعد سنوات طويلة من الإهمال واللامبالاة.
لم تُصغِ الحكومة كالعادة إلى مطلبنا. أكثر من ذلك أنني وجدتُ حوض النافورة، بعد مضي أسبوع على انتهاء الحملة، مليئاً بالمياه الآسنة والطحالب والأوساخ!
***
شَيّدَ قدماء اليونان نوافيرهم على الينابيع ظناً منهم أن لها قوى سحرية! وعلمتنا الجنائن المعلقة، وهي إحدى العجائب السبع في العالم القديم، حتى لو كانت مجرد أسطورة! كيف تتدفق المياه إلى المرتفعات. وتم تطوير أشكال النافورات الموسيقية في العالم منذ ستينيات القرن الماضي. أُستُخدِمَ الكومبيوتر في عملها، فَمُزِجَتِ المياه المتدفقة مع الموسيقى والأغاني. وتراقصتْ مجسمات بمقاييس كبيرة ملونة تمثل المرأة والرجل على البحيرات ذات النوافير! لكن حكومات الناصرية المحلية الفاسدة، لم تشيد نافورة واحدة منذ عام 2003 حتى كتابة هذه السطور! أما الحكومات في بقية المحافظات، فقد نهبتْ مليارات الدنانير لتشيد نافورات مثيرة للضحك والسخرية، من البراميل والسطولة وأباريق التشطيف!

صور مرفقة






أخبار متعلقة
مشاركة الخبر
التعليق بالفيس بوك
التعليقات
اعلانات تجارية
اعلانات تجارية
استطلاع رأى

هل انت مع الجيش العراقي ؟

0 %

0 %

0 %

عدد الأصوات : 0

أخبار